أ - يحكى أن رجلاً من الصالحين مر على رجل ضربه الفالوج والدود يتنائر من جنبيه وأعمى وأصم وهو يقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه . فتعجب الرجل ثم قال له : يا أخي ما الذي عافاك الله منه لقد رأيت جميع المصائب وقد تزاحمت عليك . فقال له : إليك عني يا بطال فإنه عافاني إن أطلق لساناً يوحده وقلباً يعرفه وفي كل وقت يذكره . ب - ويحكى أن أحد الصالحين كان إذا أصيب بشيء أو ابتلي به يقول خيراً وذات ليلة جاءذئب فأكل ديكاً له ، فقيل له به فقال : خيراً ، ثم ضُرب في هذه الليلة كلبه المكلف بالحراسة فمات . فقيل له ، فقال : خيراً ، ثم نهق حماره فمات ، فقال : خيراً إن شاء الله . فضاق أهله بكلامه هذا ذرعاً . ونزل بهم في تلك الليلة عرب أغاروا عليهم فقتلوا كل من بالمنطقة ولم ينج غيره ويسلم هو وأهل بيته . استدل العرب النازلون على الناس بصياح الديك ونباح الكلب ونهيق الحمير وهو قد مات له كل ذلك فكان هلاك هذه الأشياء خيراً وسبباً لنجاته من القتل فسبحان المدبر الحكيم ج – قال المدائني : رأيت بالبادية امرأة لم أر جلداً ولا أنضر منها ولا أحسن وجهاً منها ، فقلت : تالله إن فعل هذا بك الاعتدال والسرور ، فقالت : كلا والله إن لدي أحزان وخلفي هموم ، وسأخبرك : كان لي زوج وكان لي منه ابنان فذبح أبوهما شاة في يوم عيد الأضحى والصبيان يلعبان ، فقال الأكبر للأصغر : أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة ، قال : نعم ، فذبحه . فلما نظر إلى الدم جزعففزع نحو الجبل فأكله الذئب فخرج أبوه في طلبه فتاه أبوه فمات عطشاً فأفردني الدهر فقلت لها : وكيف أنت والصبر ؟ فقالت : لو دام لي لدمت له ولكنه كان جرحاً فاندمل . د – قال الشافعي رحمه الله عند موت ابنه : اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت وإن كنت أخذت فقد أبقيت ، أخذت عضواً وأبقيت أعضاء ، وأخذت ابناً وأبقيت أبناء .  - قال الأحنف بن قيس : شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني وقال: إذا نزل شيء فلا تشكه لأحد فإنما الناس رجلان صديق تسوءه وعدو تسره ، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لايقدر على دفع مثله عن نفسه ، ولكن أشك لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عنك ، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها من أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحداً من أهلي . وكان أحد الصالحين مبتلى في أولاده ، فكلما جاءه ولد وترعرع قليلاً وفرح به خطفه الموت ، وتركه حزيناً كسير القلب ، ولكن الرجل لشدة إيمانه لا يملك إلا أن يحتسب ويصبر ويقول ) لله ما أعطى ولله ما أخذ ، اللهم أجرنيفي مصيبتي واخلفني خيراً منها ( حتى كان الولد الثالث وبعد سنوات مرض الولد واشتد به المرض وأشرف على الموت ، والأب إلى جواره تدمع عينه ، فأخذته سنة من النوم فرأى في منامه أن القيامة قدقامت ، وأن أهوال القيامة قد برزت فرأى الصراط وقد ضرب على متن جهنم واستعد الناس للعبور ، ورأى الرجل نفسه فوق الصراط ، وأراد أن يمضي فخشي الوقوع فجاءه ولده الأول الذي مات يجري وقال : أنا أسندك يا أبتاه ، وبدأ الأب يسير ولكنه خشي أن يقع من الناحية الأخرى فرأى ولده الثاني يأتيهويمسك بيده من الناحية الثانية ، وفرح الرجل أيما فرح ، وبعد أن مضى قليلاً شعر بعطش شديد ، فطلب من أحد ولديه أن يسقيه . قالا: لا إن أحدنا إن تركك وقعت في النار فماذا نفعل . قال أحدهما : يا أبي لو كان أخونا الثالث معنا لسقاك الآن . وتنبه الرجل من نومه مذعوراً يحمد الله على أنه لا يزال على قيد الحياة ولم تحن القيامة بعد ، وحانت منه التفاتهنحو ولده المريض بجانبه فإذا هو قد قبض )مات( فصاح : الحمد لله لقد ادخرتك ذخراً وأجراً وأنت فرطي على الصراط يوم القيامة ، وكان موته برداً وسلاماً على قلبه .