كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يختبر الولاة بنفسه أثناء ولايتهم على البلاد فيسأل الشعب عنهم وعن صلاحيتهم للحكم فجاء يوماً إلى حمص وكان سعيد بن عامر الجمحي والياً عليها فجمع أهلها وقال لهم : يا أهل حمص كيف وجدتم واليكم سعيد ... فقالوا : نشكو منه أربعاً : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، ولا يجيبأحداً بليل وله يوم من الشهر لا يخرج فيه إلينا ، وتأخذه غشية فتجعله بين الحياة الموت . فما كان من عمر إلا أن جمع بين سعيد بن عامر وبينهم وقال : اللهم لا تغير رأي فيه بما يشكون منه اليوم . وعندما سمع سعيد ما يشكون منه . قال : أما عن عدم خروجي إليهم حتى يتعالى النهار فإنه ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ وأخرج إليهم ، وأما عن عدم إجابتي لأحد بليل فإني جعلت النهار لهم ، وجعلت الليل لله عز وجل . وأما عن اليوم الذي لا أخرج فيه لأحد من الشهر فإنه ليس لي خادم يغسل ثيابي وليس لي ثياب أبدلها حتى تجف ثم ألبسها وأخرج إليهم آخر النهار . وأما عن الغشية التي تجعلني بين الحياة والموت فسببها مؤلم وهو أني شهدت مصرع خبيببن عدي الأنصاري وقد قطعت قريش لحمه ثم حملوه على جذع شجرة ممعنين في تعذيبه وإيلامه ليكفر بمحمد (صلى الله عليه وسلم) وقالوا له : أتحب أن نجعل محمداً الذي تدين بدينه في مكانك فرد عليهم قائلاً : والله لا أحب أن أكون حياً بين أهلي وأن محمداً يشك بشوكة في أصبعة تؤلمه . فما ذكرت ذلك اليوم وذلك النداء وتركي نصرة خبيب وهو في تلك الحالة البشعة وقد كنت في ذلك مشركاً في ذلك لا أؤمن بالله العظيم ولا نبيه الكريم إلا ظننت أن الله لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً وحينئذ تصيبني رعشة وغشية . فقال عمر : الحمد الله الذي لم يغير رأي فيك