ما هي المادة المظلمة التي تشكل الغالبية العظمى من الكون؟ 311
[rtl]لقد خَلُصَ الفيزيائيون والفلكيون إلى أن غالبية المادة الموجودة في الكون هي "مادة مظلمة" نستطيع الاستدلال على وجودها من واقع تأثيراتها التجاذبية، ولكن ليس عبر التأثيرات الكهرومغناطيسية كما يحدث في حالة المادة العادية المألوفة. غير أن المادة المظلمة، وهي أحد أكثر المفاهيم بساطةً في علم الفيزياء، يمكن لها أن تشكل لغزًا بسبب منظورنا البشري. إن كل شخص منّا يمتلك حواسَّ خمسًا تنبع كلها من تفاعلات كهرومغناطيسية؛ فالرؤية على سبيل المثال مبنية على حساسيتنا للضوء، أي الموجات الكهرومغناطيسية الواقعة ضمن نطاق محدد للترددات. ونستطيع رؤية المادة المألوفة لدينا لأن الذرات التي تتألف منها هذه المادة تشع الضوء أو تمتصه. والشحنات الكهربائية التي تحملها الإلكترونات والبروتونات داخل الذرات هي السبب الكامن وراء قدرتنا على الرؤية.[/rtl]
[rtl]غير أنه ليس من المحتم أن تتألف المادة من ذرات، بل من الممكن أن يتألف السواد الأعظم منها من شيء مختلف تمامًا. المادة هي أي شيء يتفاعل مع الجاذبية كما تفعل المادة العادية، فهي تتكتل في صورة مجرات وعناقيد مجرية، على سبيل المثال.[/rtl]
[rtl]وما من سبب يُحتم على المادة أن تتألف على الدوام من جسيمات مشحونة، غير أن المادة التي ليس لها أي تفاعلات كهرومغناطيسية ستكون خافيةً عن أنظارنا. إن ما يُطلق عليها "المادة المظلمة" لا تحمل أي شحنة كهرومغناطيسية (أو تحمل قدرًا شديد الضآلة منها لم نستطع رصده إلى الآن). ولم يسبق لأحد رؤية هذه المادة مباشرةً بأم عينه، أو حتى باستخدام أدوات بصرية حساسة. إلا أننا نعتقد أنها موجودة بالفعل بسبب تأثيراتها التجاذبية المتعددة. تتضمن تلك التأثيرات أثرها على النجوم في مجرتنا (وهذه النجوم تدور بسرعات أكبر بكثير من أن تستطيع قوة جاذبية المادة العادية أن تكبحها) وعلى حركة المجرات داخل عناقيد المجرية (وهذه الحركة أيضًا أسرع كثيرًا من أن يتم تفسيرها في ضوء المادة التي يمكننا رؤيتها فحسب). وتشمل تأثيرات المادة المظلمة أيضًا بصمتها المطبوعة على إشعاع الخلفية الميكروي الكوني المتبقي منذ زمن الانفجار العظيم، وتأثيرها على مسارات المادة المرئية الصادرة عن تمدُّدات المستعرات العظمى، بالإضافة إلى انحناء الضوء المعروف بـ"عدسة الجاذبية"، علاوةً على ملاحظة الانفصال الحادث بين المادة المرئية والمادة غير المرئية داخل العناقيد المندمجة للمجرات.[/rtl]
[rtl]ومع ذلك، ربما تكون العلامة الأبلغ على وجود المادة المظلمة هي وجودنا ذاته؛ فبالرغم من أن المادة المظلمة غير مرئية، فقد أدت دورًا حاسمًا في تطوُّر كوننا وفي نشوء النجوم والكواكب، بل والحياة نفسها. ويرجع هذا إلى أن المادة المظلمة لها كتلة تفوق كتلة المادة العادية بخمس مرات، والأكثر من هذا أنها لا تتفاعل مباشرةً مع الضوء. وقد كان لهاتين الخاصيتين أهمية حاسمة في تكوُّن بِنًى كالمجرات في غضون الحيز الزمني (القصير نسبيًّا) الذي نعرف أنه العمر النموذجي لمجرة من المجرات. وكذلك كان لهاتين الخاصيتين أهمية حاسمة -على وجه الخصوص- في تَشَكُّل مجرة بحجم مجرة درب التبانة. من دون المادة المظلمة كان من شأن الإشعاع أن يمنع تكتُّل البنية المجَرِّيَّة لوقت طويل، بل كان من شأنه في الأساس أن يبدِّدها ويُبقي الكون أملسَ ومتجانسًا. إن السبب الوحيد الذي أتاح تَشَكُّل المجرة التي يُعَدُّ وجودها جوهريًّا بالنسبة لمجموعتنا الشمسية وحياتنا، وذلك عبر الزمن اللاحق للانفجار العظيم، هو وجود المادة المظلمة، ليس إلا.[/rtl]
حين يسمع بعض الناس عن المادة المظلمة للمرة الأولى فإنهم يشعرون بالارتباك؛ فكيف يمكن لشيء لا نراه أن يكون له وجود؟ منذ الثورة الكوبرنيكية على الأقل من المفترض أن يكون البشر على استعداد للاعتراف بلامركزيتهم بالنسبة لتركيب الكون. ومع هذا، في كل مرة يدرك البشر هذا في سياق جديد، يشعر الكثير منهم بالارتباك أو الاندهاش. ما من سببٍ يجعل من الضروري أن تكون المادة التي نراها هي النوع الوحيد الموجود من المادة. إن وجود المادة المظلمة قد يكون أمرًا متوقعًا، وهو أمر يتفق مع كل شيء نعرفه.
في علم الفلك وعلم الكون، المادة المظلمة أو المادة المعتمة أو المادة  هي مادة افترضت لتفسير جزء كبير من مجموع كتلة الكون. لايمكن رؤية المادة المظلمة بشكل مباشر باستخدام التلسكوب، حيث من الواضح أنها لا تبعث ولاتمتص الضوء أو أياشعاع كهرومغناطيس آخر على أي مستوى هام.[rtl] عوضاً عن ذلك، يستدل على وجود المادة المظلمة وعلى خصائصها من آثار الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية،[/rtl][rtl] والبنية الكبيرة [/rtl][rtl]للكون[/rtl][rtl]. [/rtl]
[rtl]وفق[/rtl][rtl] واستنادا إلى النموذج القياسي لعلم الكونيات، فإن مجموع [/rtl][rtl]ا[/rtl]لطاقة-الكتلة[rtl] في الكون المعروف يحتوي على المادة العادية بنسبة 4.9٪، والمادة المظلمة بنسبة 26.8٪ والطاقة المظلمة بنسبة 68.3٪. [/rtl][rtl] وهكذا، فأن المادة المظلمة تشكل 84.5٪ من مجمل المادة في الكون، بينما الطاقة المظلمة بالإضافة إلى المادة المظلمة تشكل 95.1٪ من المحتوى الكلي للكون. 
[/rtl]

[rtl]ما هي المادة المظلمة التي تشكل الغالبية العظمى من الكون؟ 411
[/rtl]

بالرغم من قبول المجتمع العلمي السائد عموماً لوجود المادة المظلمة، اقترحت العديد من النظريات البديلة لشرح الشذوذ الذي من أجله افترضت المادة المظلمة.
[rtl]ربما يكون هناك قدرٌ من الارتباك نابع من الاسم ذاته؛ فالمادة المظلمة ينبغي في حقيقة الأمر أن تُسمَّى المادة الشفافة لأن الضوء ينفذ عبرها، كما هو الحال مع جميع الأشياء الشفافة الأخرى. ومع هذا، فإن طبيعة هذه المادة أبعد ما تكون عن الشفافية. يود الفيزيائيون والفلكيون أن يصلوا إلى فهم ماهية المادة المظلمة تحديدًا وعلى مستوى أكثر تعمُّقًا. هل هي مؤلفة من نوع جديد من الجسيمات الأساسية؟ أم تراها تتألف من شيء مضغوط غير مرئي، كثقب أسود مثلًا؟ إذا كانت جُسيمًا، فهل لديها أي تفاعل (ولو كان ضعيفًا جدًّا) مع المادة المألوفة، بغض النظر عن الجاذبية؟ وهل لهذه الجسيمات أي تفاعلات مع نفسها يمكن أن تكون خافية عن حواسنا؟ وهل يوجد أكثر من نوع واحد من مثل هذه الجسيمات؟ وهل لأيٍّ من هذه الجسيمات تفاعلات من أي نوع؟[/rtl]
[rtl]فكرتُ أنا وزملائي من الباحثين النظريين في عدد من الاحتمالات المثيرة للاهتمام. لكن في نهاية المطاف لن نعرف شيئًا عن طبيعة المادة المظلمة إلا بمساعدة المزيد من المشاهدات التي سترشدنا. ربما تتألف تلك المشاهدات من قياسات أكثر تفصيلًا لتأثير المادة المظلمة التجاذبي، أو ربما تتمكن الكاشفات الضخمة الموجودة تحت الأرض، أو الأقمار الصناعية في الفضاء، أو مصادم الهدرونات الكبير بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية "سيرن" CERN الموجود قرب جنيف من رصد جسيمات المادة المظلمة مستقبلًا، وذلك إذا كنا محظوظين للغاية وكان لدى المادة المظلمة فعلًا تفاعل ضئيل غير تجاذبي مع المادة العادية فشلنا حتى الآن في رصده. وحتى من دون مثل هذه التفاعلات مع المادة العادية، فإن التفاعلات الذاتية للمادة المظلمة ربما تكون لها تبعات قابلة للرصد. على سبيل المثال، ستكون البنية الداخلية للمجرات على النطاقات الصغيرة مختلفة لو أن تفاعلات المادة المظلمة مع نفسها تعيد ترتيب المادة عند مراكز المجرات. إن البنى المضغوطة أو غيرها من البنى الشبيهة بمجرة درب التبانة –مثل سُحُب الغاز الساطعة والنجوم التي نراها حين ننظر إلى السماء ليلًا– قد تشير إلى وجود نوع متمايز أو أكثر من جسيمات المادة المظلمة التي يتفاعل بعضها مع بعض. أو يمكن لجسيمات افتراضية تُسمَّى "الأكسيونات" وتتفاعل مع المجالات المغناطيسية أن يتم الكشف عنها في المختبرات أو في الفضاء.[/rtl]


[rtl]بالنسبة لأي باحث في الجوانب النظرية أو مراقب أو باحث تجريبي، تُعَدّ المادة المظلمة هدفًا واعدًا فيما يتعلق بالبحوث؛ فنحن نعرف أنها موجودة، لكننا ما زلنا نجهل ماهيتها على المستوى الجوهري. وسبب جهلنا هذا ربما يكون واضحًا الآن؛ فالمادة المظلمة لا تتفاعل بالقدر الكافي بحيث نستطيع أن نتبين ذلك، على الأقل حتى الآن. نحن البشر يمكن لنا أن نفعل الكثير جدًّا، فقط إذا كانت المادة العادية في الأساس غير مدركة لأي شيء باستثناء وجود المادة المظلمة. لكن لو كان للمادة المظلمة بعض من الخصائص الإضافية المثيرة للاهتمام، فالباحثون متأهبون للعثور عليها، وفي خضم ذلك سيساعدوننا في كشف غموض هذا اللغز البديع على نحوٍ أوفى.[/rtl]